محمد حسان – 17 يناير 2022
قد تكون قد سمعت بالفعل أن حركة المياه تعتبر أمر أساسي لا غني عنه في أحواض الشعاب المرجانية، ولكن ما هو التأثير المفترض أن يحدثه التيار على الشعاب المرجانية؟ وهل زيادة حركة المياه أمر مفضل على الدوام؟، ناقشنا في المقال السابق كيف أن أجهزة التحكم في المضخات أمر مهم ومفيد، لأن المضخة التي تصدر تيارات بأنماط متنوعة توفر للشعاب المرجانية بيئة طبيعية أكثر من تلك المضخات التقليدية، حيث يمتص المرجان المغذيات الذائبة من المياه المحيطة به ويقوم كذلك بعملية تبادل الغازات في هذه الأثناء، وسوف نتناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل في هذا المقال.

عملية تبادل الغازات:
كقاعدة عامة لا يمكن للشعاب المرجانية تحمل المياه الراكدة لفترة طويلة، مهما كان حجم تلك الشعاب، وذلك لأن لوامس المرجان “البوليبات” تعيش وتتنفس وتستهلك مواد وتفرز مواد أخري، وتحتوي العديد من هذه البوليبات على قناة مزودة بأهداب في أحد أو كلا جانبي فتحة الفم، ويُعرف هذا باسم Siphonoglyph وينتج انتقالًا ثابتًا للماء إلى داخل البوليب، حيث يضخ البوليب باستمرار كمية صغيرة من الماء المحيط إلي داخل المعدة، مما يسمح بامتصاص المواد المذابة وأيضًا بتبادل الغازات.
ومن بين الشعاب المرجانية اللينة (Octocorallia)، يمكنك ملاحظة الحركة النشطة للوامس بدرجات متفاوتة في العديد من الأنواع، فتري عائلة Xeniidae، مثل Xenia أو Heteroxenia والتي تفتح وتغلق لوامسها بقوة باتجاه مركز فتحة الفم، وهناك أيضًا مرجان Sinularia polydactyla الذي يستطيع تحريك لوامسه بطريقة نشطة مشابهة للوامس الأكزينيا.
ومع ذلك، لا يوجد تفسير علمي كامل عن التأثيرات الفسيولوجية لحركة اللوامس بهذا الشكل ولكن من الواضح أن تلك الحركة تسهل من تبادل المياه حول المرجان وله وظائف أخرى تتعلق بالتنفس والتغذية/الهضم.


وبغض النظر عن الكيفية التي ينجز بها البوليب المرجاني عملية تبادل الغازات، فإنه سيكون قادرًا فقط على نقل المياه الملوثة من داخله إلى المنطقة المجاورة له مباشرة، كما يحيط بجسم المرجان طبقة رقيقة مخاطية يسميها علماء الأحياء “coral surface microlayer” أو CSM، والتي يمكننا اعتبارها طبقة رقيقة ثابتة تحيط بسطح المرجان، وإذا لم تتوافر حركة جيدة للمياه حول المرجان فإن هذه الطبقة بما تحتويه من ملوثات ستستمر في التراكم حول المرجان وتؤدي لاختناقه سواء بسبب نقص الأكسجين أو حتي بسبب زيادته لأن تراكم طبقة المخاط قد يمنع البوليبات من التخلص من الأكسجين الزائد، ومن ناحية أخرى تحتاج الشعاب المرجانية في الليل إلى امتصاص الأكسجين لذلك لا ينبغي تقليل التيار ليلاً.
ومن الجدير بالذكر أن بعض التجارب الحديثة للشعاب المرجانية من نوع Acropora formosa الموضوعة في تيار مياه عالي مقابل الموضوعة تيار مياه منخفض جدًا، حيث أدى التيار القوي إلى زيادة بنسبة 25 في المائة في التمثيل الضوئي والنمو (التكلس)، فيما تسبب توقف حركة المياه ليلاً في انخفاض بنسبة 60 في المائة في نمو الهيكل العظمي للمرجان (Dennison and Barnes، 1988).
تشبع الأكسجين:
تشبع المياه بالأكسجين يعتبر سلاح ذو حدين، فمن السهل أن نرى كيف يمكن أن يكون هذ التشبع ضارًا للشعاب المرجانية عندما يتشبع ماء الحوض بشكل مفرط بسبب التمثيل الضوئي الكثيف لطحالب الشعر على سبيل المثال، عندها لن تستطيع الشعاب المرجانية من التخلص من الأكسجين الزائد بداخلها بسبب تشبع المحلول (المياه المحيطة) المحيط بالأكسجين، والنتيجة تكون طرد الطحالب التكافلية وابيضاض المرجان.

الآثار السلبية لتيارات المياه:
تعرفنا أن الشعاب المرجانية تعتمد في عملياتها الحيوية على استبدال المياه المحيطة بأنسجتها باستمرار، وهذا بالضبط ما يجب أن تفعله المضخات في أحواضنا، ولكن هل يمكن أن يكون للتيار آثار سلبية؟ نعم في بعض الحالات عندما يكون هناك أنواع مرجان تضخ السموم لردع منافسيها من الشعاب المرجانية الأخرى، وبالطبع لا نريد أن تتراكم هذه السموم غير المرئية أو أن يتم نقلها إلى المرجان المجاور بواسطة تيار بشكل منتظم، فيتعرض المرجان للضرر بشكل متزايد وبدون سبب واضح بالنسبة لنا، ويمكن للتيار أيضا إيصال اللوامس اللاسعة للمرجان إلي أنواع أخري فتقوم بلسعها أو حتى قتلها، وهذا معروف في الأجناس المرجانية العدوانية مثل Hydnophora أو Galaxea ولكن يمكن أن يحدث أيضًا في أنواع أخري مثل Echinophyllia أو Merulina.
وفي مثل هذه الحالات من الضروري تغيير موقع الشعاب المرجانية، على الرغم من أنه إذا كان المرجان قد تعرض بالفعل لأضرار بالغة بسبب التعرض المستمر للإفرازات السامة، فقد لا يتعافى بشكل كبير حتى بعد تغيير مكانه أو تغيير التيار، ففي الطبيعة يخفف المد والجزر والتيارات من حدة هذه المواد الكيميائية ويغسل المرجان منها، لكن أحواضنا عبارة عن مساحة محدودة وتغييرات المياه توفر فقط مساعدة أو تخفيف مؤقت لحدة المواد الكيميائية، وتعمل المضخات على طرد السموم باستمرار والسماح بنقلها إلى نظام لفلترة في السامب حيث يمكن أن يساعد الكربون النشط وأدوات الفلترة الكيميائية والبروتين سكيمر في إزالتها.
وتعمل حركة الماء في الأحواض أيضًا على توصيل جزيئات الطعام – العوالق الحيوانية والنباتية المغذية – إلى لوامس المرجان الجائعة، وقد تقول إنه يمكنك اطعام الشعاب المرجانية الكبيرة LPS بشكل مباشر بوضع قطع الغذاء عليها مباشرة، ولكن ماذا ستفعل مع آلاف الأفواه الصغيرة للشعاب المرجانية الصلبة SPS؟، هنا يأتي دور التيارات لتقوم بعملها.
وبالنسبة للهواة المتقدمين ممن يقومون بتربية أنواع معينة مثل الآزوزانثيلات Azooxanthellate، من المهم معرفة أنه من الصعب جدًا الحفاظ على هذه الأنواع في أحواض المرجان التقليدية ذات تيارات المياه المتقلبة والسبب في ذلك هو أن حجم البوليبات أو اللوامس التي تلتقط بها الطعام من المياه المفتوحة في الطبيعة مخصص للعمل في ظروف معينة ونمط معين لتيارات المياه، ففي وسط هذه اللوامس بين مجساتها الثمانية يتولد تيار مائي خفيف جدا بضغط منخفض يسمي بـ “ظل التيار”، هذا التيار الخفيف يحاصر جزيئات الطعام ويدفعها نحو فتحة الفم مباشرة، وهذا الضغط المنخفض يحدث فقط عند نقاط قوة معينة لتيارات المياه وبتدفق منتظم، فإذا تم وضع بوليبات هذه الأنواع من المرجان في مياه مضطربة ومتقلبة فلن تتمكن من إنتاج هذا الضغط المنخفض بين المجسات واستخدامه لالتقاط الغذاء.

في الصورة السابقة نري تشكل “ظل التيار” في المنطقة المحيطة بلوامس مرجان azooxanthellate gorgonians (العلامات الزرقاء الدائرية)؛ (الأسهم الزرقاء في مرجان Diodogorgia) في حالة تدفق المياه بالقوة والاتجاه المناسبين، مما يؤدي ذلك إلى بقاء جزيئات الطعام معلقة أمام فتحة الفم ليسهل على المرجان تناولها، ولا تحدث هذه العملية إذا كان تيار المياه قويًا وباتجاه غير مناسب.
ويمكن تعويض ذلك في الأحواض عن طريق التغذية المباشرة للشعاب المرجانية (نشر جزيئات الطعام فوق المرجان حتى تلتصق بالإفرازات المخاطية للبوليبات)، وعلى الرغم أن هذه طريقة غير طبيعية إلا أنها غالبًا ما تحقق نجاح ملحوظ، أما إذا كنت ستعتمد على التقاط المرجان للطعام بشكل طبيعي بحيث يلتقط جزيئات الطعام العائمة من المياه، فإن نمط التيار المستمر laminar current المخصص لهذه الأنواع من المرجان لا غنى عنه.
ومن ناحية أخرى لن يتأثر المرجان الصلب مثل ال Acropora على الإطلاق إذا تم تحريك لوامسها ذهابًا وإيابًا بسبب التيارات المضطربة والمتغيرة، حيث أن أغلب أنواع المرجان التي تعتمد على عملية التمثيل الضوئي قد تأقلمت وتكيفت فسيولوجيا لآلاف السنين على البيئات ذات تيارات المياه المضطربة، وحركة الأمواج والمد والجزر، حيث تجلب الطعام تارة وتطرد الفضلات تارة أخري.
أما بالنسبة لمعظم الهواة تظل مسألة إنشاء واختيار التدفق المناسب لتيار المياه مسألة تجربة سوف تتعلمها من خلال محاولاتك الصحيحة والخطأ ومراقبتك لحالة المرجان، وفي الجزء القادم سنتعرف بإذن الله علي الأنماط المناسبة لتيارات المياه.
مع تحيات موقع هوايتي