محمد حسان – 23 يناير 2022
في الجزء الأول من هذه السلسلة، تناولنا مسألة أجهزة التحكم في المضخات وفوائدها، وكان محور الحديث هو أن المضخات التي تنتج مجموعة متنوعة من التيارات (قوية أو هادئة، نابضة أو ثابتة) يمكن أن توفر للشعاب المرجانية بيئة طبيعية أكثر من المضخات ذات الخرج الثابت، ثم تطرقنا في الجزء الثاني إلي أسباب احتياج المرجان إلى التيار بشكل عام، وتوصلنا إلى أنها مهمة للتغذية (توصيل العوالق والمواد المذابة)، وأيضًا لتبادل الغازات (التنفس وطرد النفايات الأيضية).
ولكن يتبادر لدينا سؤال مهم وهو “ما هي أنماط أو أشكال التيار المفيدة للشعاب المرجانية؟” وهل هناك أنواع من التيارات يجب تجنبها بسبب آثارها السلبية المحتملة؟
تختلف أشكال تيارات المياه في البيئات الطبيعية للشعاب المرجانية اختلافًا كبيرًا من منطقة إلى أخرى، ففي البيئة الطبيعية تستطيع الشعاب المرجانية بطريقة ما أن تتكيف مع التيارات الموجودة، أما بالنسبة للأحواض البحرية لن نتمكن أبدًا من إنشاء تيار واحد يناسب جميع الشعاب المرجانية، ما لم يكن الحوض يحتوي علي جنس أو نوع واحد مثل عائلة Acroporids، وسيكون شكل وقوة التيار الذي نختاره دائمًا بمثابة حل وسط بين متطلبات المجموعات المرجانية المتنوعة SPS و LPS و Soft corals فبمجرد أن نجمع بين الشعاب المرجانية الصلبة والرخوة معاً تصبح الأمور أكثر صعوبة.
وعلي مر الزمان قامت الشعاب المرجانية بتكييف هياكلها الكلسية ووظائفها الحيوية مع ظروف التيارات في بيئتها الطبيعية، لدرجة أن بعض العمليات مثل التقاط العوالق لا تعمل بشكل سليم إذا اختلف شكل أو قوة تيارات المياه (تناولنا في الجزء الثاني هذا الموضوع بالتفصيل). ومن ناحية أخرى تكون تركيزات أسلحة المرجان الكيميائية (السموم التي تطلقها الشعاب للدفاع عن منطقة نفوذها أو طرد المفترسات) واللوامس اللاسعة أقوى بكثير في الأحواض مقارنة بالبيئة الطبيعية، وهذا يمكن أن يسبب مشكلة لأن التيار سوف ينقل تلك السموم إلي الشعاب المجاورة داخل مساحة الحوض المحدودة، فقد تبدو لك الشعاب المرجانية مسالمة وغير مؤذية، وتظن أنها منسجمة مع بعضها البعض، إلا أن هذا الانسجام قد ينطوي علي معركة شرسة وشديدة العدوانية من أجل مناطق النفوذ أو الغذاء، فأسلحة الدفاع البيوكيميائية للمرجان مثل الخلايا اللاسعة (cnidocytes) يمكنها أن تطلق في المياه عاصفة من الأكياس الخيطية والإفرازات المخاطية تدخل وتنجرف بعيدًا مع التيار وتتنقل داخل الحوض فتصيب كل الشعاب الأخرى في طريقها.
ويختلف مدى تأثير تلك السموم اختلافًا كبيرًا بين مجموعات وأنواع المرجان، وكذلك الحساسية تجاه تلك السموم، فمن الممكن أن نخطئ في توقع عدوانية بعض الأنواع، على سبيل المثال كان لدي مشروم Discosoma (والذي يبدو مسالماً تماماً) بجوار مجموعة كبيرة من أنواع جرين ستار بوليب و كلوف بوليب المعروفة بسرعة نموها وانتشارها، ولكن علي مدار عدة شهور احتل المشروم مكان الفصائل الأخرى من البوليب وقلل عددها بشكل كبير عكس ماهو متوقع.
خلال فترة الثمانينيات كان من الشائع تركيب المضخات أو الويف ميكر في الزاويتين الخلفيتين للحوض ثم توجيه فوهة المضختين نحو منتصف الزجاج الأمامي، حيث تسبب تلك الطريقة في تكوين دوامات وتيارات مضطربة، حيث يتم دفع الماء لأسفل بعد ارتطامه بزجاج الواجهة الأمامية ويتدفق مرة أخرى عبر أرضية الحوض متجهاً نحو الصخور، ثم يتحرك إلى أعلى مرة أخرى، ففي تلك الأيام كان رص أو ترتيب الصخور يتم بشكل بسيط حيث يتم تكديس الصخور وركنها على الزجاج الخلفي للحوض.
ومن الفقرة السابقة نري أن دوران المياه بشكل عمودي كان سبباً في أن يتلقى المرجان بالحوض إفرازات وسموم باقي الشعاب المرجانية الأخرى بشكل مستمر وبنفس القوة، حيث كانت أجهزة التحكم في المضخات لا تزال أمر استثنائي وغير منتشر في ذلك الوقت، أيضا ً لم يكن الكثير من الهواة يعرف شيئاً عن المنافسة الكيميائية بين الشعاب المرجانية، فقد ذكر Borneman (2001) أن العديد من الشعاب المرجانية الرخوة والجورجونيان لديها ترسانة من السموم القابلة للذوبان، في حين تبين أن Acropora و Pocillopora و Montipora وغيرها من الشعاب المرجانية الصلبة تفرز التربينيدات terpenoids.
في الوقت الحاضر يحرص العديد من الهواة على اقتناء مجموعة كبيرة من اللواسع (الشعاب ذات اللوامس اللاسعة)، وبالطبع ليست كل أنواع المرجان “شرسة” مثل Hydnophora pilosa أو H. exesa أو Galaxea fascicularis، لكن كل نوع من أنواع الشعاب المرجانية له طريقته الخاصة في التغلب على منافسيه من الأنواع الأخرى، وتختلف التكتيكات المستخدمة من قبل الأنواع اللاسعة بشكل كبير بالإضافة إلى أنه من النادر ما تكون مواجهاتهم مرئية لأعيننا؛ على سبيل المثال قد يفرز المرجان خيوطه السامة أو يمد لوامسه اللاسعة في الليل، أيضاً الفترة الزمنية التي تحدث فيها تلك المعارك الكيميائية غالبًا ما تكون قصيرة ويصعب علي الهاوي ملاحظتها، ولهذا السبب ينبغي دائمًا افتراض أن الأنواع اللاسعة قد تؤذي بعضها البعض من خلال الاتصال غير المباشر بواسطة التيار.
تجنب التيارات الثابتة:
مما سبق يتضح لنا ضرورة أن نتجنب تيارات المياه الثابتة قدر الإمكان، وأن نسعى لتوفير تيارات مياه متغيرة على مدار اليوم بحيث يتم تقاسم ضرر الافرازات السامة بالتساوي بين جميع الأحياء في الحوض، ويمكن تحقيق ذلك باستخدام المضخات/الويف ميكر الحديثة التي توفر أنماط متنوعة من التيار باستخدام أجهزة التحكم، أيضا الفلترة المناسبة للمياه بواسطة البروتين سكيمر، الأوزون، اليوفي، والكربون النشط يمكنها أن تقلل من تأثير تلك السموم.
ونفس المبدأ ينطبق كذلك على قوة التيار، فهناك شعاب مرجانية تحتاج إلى حركة مياه قوية، خاصة عندما تنمو بشكل كبير مثل المرجان الصلب، فهو يحتاج لحركة مياه قوية حتى تضمن عدم ظهور تآكل في الأنسجة في المنطقة السفلية من الشعاب المرجانية، فهذه المناطق يجب أن نراقبها باستمرار ونقوم بقصها بانتظام في حالة عدم وصول التيار أو الضوء إلى المناطق السفلية بشكل جيد.
حالة البوليب كمؤشر لراحة المرجان:
إذا كنت تربي أنواع من الشعاب المرجانية المعروفة بنموها الكبير والكثيف وتحتاج لتيارات قوية فمن الطبيعي أن نوفر لها هذه الظروف، ومع ذلك عادةً ما تحتوي أحواض الشعاب المرجانية على أنواع أخري لا تحتاج إلى تيارات مياه قوية، في هذه الحالة توفير تيار ثابت متوسط القوة لن يكون الحل الأمثل، لأنه لن يلبي احتياجات أنواع الشعاب المتنوعة، حتى علي المدي القصير، لذا من الأفضل تغيير قوة التيار على مدار اليوم متنقلاً بين الاندفاعات القوية التي يحتاجها المرجان الصلب وبين التيار الهادئ الذي يحتاجه المرجان الرخو.
فالمرجان الرخو الذي يحتاج لتيارات هادئة يمكنه تحمل حركة الماء القوية لفترة قصيرة من الزمن طالما أنها تتلقى بعد ذلك فترات راحة يمكنها فيها تعويض الإجهاد الناتج من التيارات القوية، وغالبًا ما يمكن تحديد مدى جودة تلبية الاحتياجات الحالية للشعاب المرجانية المختلفة من خلال مراقبة تمدد وانكماش البوليبات لتحديد مدي راحة المرجان.
ويجب أن نكون دائمًا على دراية بحقيقة أن حياة وحالة الحوض الاجمالية تتطلب تنازلات من بعض الشعاب المرجانية وأن تكون قابلة للتكيف، وهذا بسبب خلطنا لشعاب مرجانية من مناطق مختلفة داخل حوض واحد، وهو تحدى مستمر للهواة لوضع الشعاب المرجانية بشكل صحيح على الصخور والتعامل مع التيارات وتعديلها حتى يتم العثور على نقطة توازن مناسبة داخل الحوض، وفي المقال القادم بإذن الله سوف نستعرض أمثلة لأنماط وأشكال تيارات المياه.
مع تحيات موقع هوايتي