محمد حسان – 22 فبراير 2022
الدوامات البحرية Gyre:
في علوم البحار الدوامة Gyre هي أي مجموعة من التيارات المحيطية الدائرية، خصوصاً تلك التي تتأثر بتحركات الرياح الكبيرة، وتحدث الدوامات نتيجة الاحتكاكات الأفقية والرأسية للرياح، أما في الأحواض فيمكننا إنشاء دوامات بشكل مصغر باستخدام المضخات / الويف ميكر، كما أن تصميم التيارات المائية في الأحواض يتجاوز مجرد إنشاء تيار مستمر، ونقدم في هذه المقالة طريقة تكوين تيارات دائرية أو دائرية متناوبة، واستخدام تأثيرات النبض الخاصة بالمضخات الحديثة Pulsation.
في الجزء الأول من هذه السلسلة، تناولنا مسألة أجهزة التحكم في المضخات وفوائدها، وكان محور الحديث هو أن المضخات التي تنتج مجموعة متنوعة من التيارات (قوية أو هادئة، نابضة أو ثابتة) يمكن أن توفر للشعاب المرجانية بيئة طبيعية أكثر من المضخات ذات الخرج الثابت، ثم تطرقنا في الجزء الثاني إلي أسباب احتياج المرجان إلى التيار بشكل عام، وتوصلنا إلى أنها مهمة للتغذية (توصيل العوالق والمواد المذابة)، وأيضًا لتبادل الغازات (التنفس وطرد النفايات الأيضية)، وفي الجزء الثالث تكلمنا عن أنماط التيار المفيدة والأخرى التي علينا تجنبها (حيث يمكن أن يكون لها آثار سلبية)، وفي المقال التالي سنتناول أمثلة عملية لأنماط التيارات المائية التي يمكنك تقليدها.
وتيارات المياه في الأحواض قديماً وحديثاً يتم تشكيلها بشكل صناعي من خلال المضخات وذلك تقليدًا للتيارات الطبيعية، ونحن نعلم جيداً أن تلك التيارات المصطنعة لا ترقي أو تنافس التيارات في الطبيعة، ومع ذلك علينا أن نعترف أن مصنعي ومطوري المضخات قد قطعوا شوطًا طويلاً في هذا المجال مقارنةً بفترة الستينيات والسبعينيات عندما كان يتم توليد حركة المياه في أحواض الأسماك باستخدام ماتور الهواء والسكرية (حجر الهواء)، ثم ظهرت بعد ذلك المضخات التقليدية، والتي كانت تُستخدم بشكل أساسي لتدوير المياه بين الحوض والفلتر الخارجي أو بين الحوض والسامب، أم الآن فأنت تستطيع انتاج تيارات بأنماط متعددة وقوة متغايرة من خلال أجهزة تحكم متطورة، وكذلك تستهلك كهرباء بشكل أقل من الماضي.
وبعد كل هذا التقدم الصناعي والتقني، لدي تساؤل متكرر عن مدى تقدم فهمنا نحن للجوانب البيولوجية في الأحواض؟ فقد كان الهدف الرئيسي لتطوير المضخات هو إنتاج مزيد من التيارات المتنوعة، فنحن نعلم يقيناً أن الشعاب المرجانية بحاجة لتيارات المياه، وهذا واضح ومثبت، ولكن ماهي كمية التيارات التي تحتاجها الشعاب؟ وهل كلما زادت التيارات كان ذلك أفضل؟ في المقال الثاني من هذه السلسلة، ناقشنا المشكلات التي تواجهها أنواع مثل azooxanthellate gorgonians عندما تزيد قوة تيارات المياه عن الحد الأمثل لتلك الأنواع، وأنها تمنعهم من التقاط الطعام بشكل سليم.
من حيث المبدأ قد ينطبق هذا الأمر على باقي أنواع الشعاب المرجانية وإن لم يكن بنفس القدر أو التأثير، فقد قام العديد من علماء الأحياء المائية بتجربة معدلات مختلفة لتدفق المياه على العديد من أنواع المرجان، وقد نصل في المستقبل القريب إلى المستويات المثلى لمختلف الشعاب المرجانية.
ويجب أن تضع دائمًا أمرًا مهماً في اعتبارك: أنك إذا كنت تغوص في مناطق الشعاب المرجانية لدراسة التيارات المائية في الطبيعة ومحاولة تقليدها، فستجد أماك عائقين كبيرين، أولاً أنك تستطيع فقط زيارة أماكن معينة وهي التي يمكنك الوصول إليها بأمان، وقد تكون التيارات مختلفة تمامًا في أماكن أخرى محظورة عمومًا ولا تستطيع الوصول إليها لدراسة التيارات بها، ثانيًا أنت تشاهد جزء محدود من نمط التيارات الطبيعية وفي وقت محدد وقصير، قد تتغير التيارات في نفس المكان بشكل كلي بمجرد صعودك على المركب مرة أخري.
في الواقع هناك حد أقصى ومتوسط للتيارات على الشعاب وذلك اعتمادًا على موقعها، فعندما تستقر الشعاب المرجانية في مكان فإنها تكون قادرة على البحث عن المواقع التي توفر لها الظروف المناسبة، فكل نوع من أنواع الشعاب المرجانية له نطاقه النموذجي من تيار المياه التي يمكنها تحمله والمتوافق مع وظائفه الحيوية. وإذا تجاوزت التيارات هذا النطاق أو كانت أقل منه بشكل مستمر فلن تتمكن اليرقة المرجانية من ترسيخ نفسها والنمو لتكون مستعمرة كبيرة، وبهذه الطريقة يتكيف نمو المرجان في موطنه الطبيعي بدقة شديدة مع التيارات المائية.
أما في الأحواض فالأمور مختلفة وذلك لأننا نحن البشر من نرتب بيئة الأسر تلك، وحقيقة أن المرجان يمكن أن يستقر ويتأقلم على تيارات مياه محددة لا تعني بالضرورة أنه يحتاج لهذا المقدار من حركة المياه – وبعيدًا عن ذلك فقد أشرنا مسبقاً إلى أن التيار القوي بشكل مستمر (ربما يحمل السموم بعض الأنواع إلى أنواع أخري مما يسبب حرب كيمائية بين المرجان) ويمكن أن يضع الشعاب المرجانية تحت ضغط طويل ليتسبب بموته في نهاية المطاف.
ويبدوا لي أن تغير وتنوع التيار أكثر أهمية بكثير من الحدود القصوى لقوة التيار، ومن الناحية المثالية لا ينطبق هذا على القوة فحسب بل أيضًا على اتجاه التيار، فقد تم اختراع المضخات الدوارة التي تعمل ميكانيكيًا لتحقيق هذا الغرض؛ فهي تدور باستمرار يميناً ويساراً لتوصيل التيارات لكل الاتجاهات بالحوض.
دعونا نتخيل حوض مائي مستطيل به مضخة قوية في كل ركن من أركانه الأربعة ويتم التحكم في هذه المضخات الأربعة قطريًا في أزواج، وتم تثبيت كل زوج على ارتفاع مختلف، ويتم تشغيل الزوج الأول A بأقصى قوة لفترة قصيرة، بينما ينتج الزوج الآخر B الحد الأدنى من قوته في نفس الوقت، بهذه الطريقة سنقوم بإنشاء تيارات من النوع الدوراني gyre ونقوم بعكسها على فترات منتظمة في الحوض.
في الشكل التالي يتم وضع أربع مضخات في الزوايا الأربع للحوض وتعمل زوجياً بشكل قطري، ويتم وضع الزوج A والزوج B على ارتفاعات مختلفة، وبالتالي يمكن أن يولدا بالتناوب أنماط تيار دائرية.
وبمجرد تشغيل المضختين A بكامل قوتهما، نقوم بتشغيل المضختان B بأقل قوة لهما، بحيث يتم إنشاء تيار دائري، وبعد مدة زمنية محددة نعكس الأمر فبمجرد أن تكون المضختين B في كامل قوتهما والمضختين A عند الحد الأدنى من قوتهما يتم عكس اتجاه دوران تيار المياه، ويمكن لجهاز التحكم الخاص بكل مضخة أن ينشئ مجموعة متنوعة من النبضات pulsation داخل هذه التيارات الدائرية، مع مراعاة وجود فترات راحة وموجات هادئة أثناء عمل جميع المضخات.
كما أنه يمكن تعزيز وتحسين تدفق التيارات المائية من خلال الرص السليم للصخور بحث يكون الهيكل العام للرصة به قنوات ومسافات تسمح بمرور المياه من خلالها مفتوح (ليست مثل الجدار) وتكون الرصة قائمة بذاتها بدلاً من رصها وتكديسها مباشرة على ظهر الحوض، وأن يكون الماء على الأقل قادر على التدفق بفعالية خلف الصخور والدوران حول الشعاب المرجانية، وتكفي مسافة عشرة سنتيمترات من الزجاج الخلفي لهذا الغرض، ومن الجيد أن نري رص الصخور هذه الأيام يميل إلى بناء جزر من الصخور بقنوات فيما بينها، بدلاً من كتل الصخور التي كانت شائعة في الماضي.
ومن الآثار الجانبية الجيدة لهذا الأسلوب هو عدم حدوث تراكمات كبيرة للرواسب داخل الصخور أو خلفها، وبالطبع سوف تستقر بعض الفضلات ولكن ستتجنب حدوث مناطق ميتة تحبس المخلفات بشكل كثيف، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى هذه المناطق بسهولة أثناء عمليات التنظيف، ويمكنك برمجة مضخاتك بحيث تكون هناك أيضًا تيارات هادئة على فترات متفاوتة.
ومن عيوب مخطط المضخات المتعددة أنه يصعب إخفاءها، كما قد تحتاج أيضًا لمضاعفة التكلفة المادية للحصول على مضخات جيدة ومتزامنة لتوفير تيارات قوية تكفي لحجم الحوض بالكامل، ولكن كما هو الحال مع الإضاءة الجيدة فإن مضخات المياه هي مفتاح النجاح في أحواض الشعاب المرجانية.
وفي التصميم متعدد المضخات الموضح سابقاً، يمكنك ضبط جهاز التحكم لمحاكاة العواصف، وهو حدث يحدث بشكل منتظم في الطبيعية، وذلك بتشغيل جميع المضخات الأربع بكامل قوتها لفترة قصيرة، ويساعد هذا الأمر في رفع الرواسب وتحريكها ومنع تراكمها في الحوض، بشرط أن تستخدم فلترة ميكانيكية فعالة في نفس الوقت لسحب هذه الرواسب من الحوض.
ويمكن استخدام الأنواع الحديثة من مضخات Gyre لتفادى زيادة عدد المضخات العادية واخفاء ظهورها قدر المستطاع، ويوجد العديد من الشركات المصنعة لهذه النوعية مثل Maxspect و IceCap وجيباو.
مع تحيات موقع هوايتي