الأبتاسيا – العدو اللدود

مقالات عامة
1.6K
0
sample-ad

محمد حسان – 20 سبتمبر 2021

في المجمل سأحاول بكل صدق أن أكون مرحاً بشأن هذا الموضوع المزعج، ولكن لا تطلبوا منى أن أكون لطيفا فليس لهذا الموضوع علاقة باللطف من قريب أو من بعيد، فنحن بصدد أن نشعل حرباً على هذا الكائن العنيد الذي أضج بنوم الكثير من الهواة، وأرجوا أن تحافظوا على هدوئكم على الرغم من تهديدات هذا الكائن الشرس، حافظ على انفعالاتك ورباطة جأشك حتى نستطيع أن نفوز بتلك المعركة الضارية.
تلك المعركة الطويلة التي مزقت أوصال هذا الحوض المسكين وزرعت الكراهية بين مرجاناته الجميلة بسبب هذا العدو الدخيل الذي ظل ينشر سمومه وضرباته اللاسعة التي طالما وجهها لتلك المرجانات المسكينة حتى شارفت على الموت.
ولكن انتظر فأنا أسمع صوتاً خافتاً لأحد زملائي من الجنود المرهقين في تلك الهواية، يبدوا أنه وجد حلاً أو سلاحاً ناجعاً ضد هذا العدو اللئيم، ولكن قبل أن نستخدم هذا السلاح دعونا أولاً نتعرف على عدونا ونفهم سلوكياته جيدا.


عدونا اللدود محل النقاش اليوم هو الأبتاسيا Aptasia، وهو أنيمون بحري يمكن أن نجده في الأحواض وعادة ما نراها تنموا على الصخور، وهي تنتشر بسرعة كبيرة ومن الممكن أن ترتكز على أى تربة أو أرضية، كما أن هناك علامات أو اشارت كيميائية قد تجذبهم إلى أماكن محددة في الأحواض، وفي هذا المقال نقدم تقريرا عن تفضيل الأبتاسيا للاستيطان والسكن على طبقات السيانوبكتيريا وهو الاكتشاف الذي يشير إلى وجود تكافل ثلاثي بين الأنيمونات، وطحالب الداينوفلاجليت والبكتيريا.
والأبتاسيا جنس يحتوي على عدة أنواع من الأنيمون توجد في جميع أنحاء العالم، وهذه الأنيمونات مماثلة لغيرها من الكائنات مثل الشعاب المرجانية لديها شراكة ومنافع متبادلة بينها وبين طحالب dinoflagellate والمعروفة باسم zooxanthellae فهي تنقل لمستضيفها المركبات العضوية المغذية، بجانب عملية التمثيل الضوئي، والأبتاسيا تتغذى على طائفة واسعة من الجسيمات العضوية مثل الكوب بودز والأرتيميا وأكل الأسماك المجفف.

كما أن الأبتاسيا تعتبر ذاتية التغذية ولها أنماط تغذية متغايرة، هذه الجوفيات تستطيع أن تنموا وتزدهر في البيئات جيدة وسيئة الإضاءة وحتى في الظلام الدامس، شريطة أن تكون جزيئات الطعام كافية ومتوفرة، على سبيل المثال تم العثور عليها بكثرة داخل الأنابيب البلاستيكية للأحواض، وعلاوة على ذلك يمكن للأبتاسيا تحمل التقلبات الكبيرة في درجة الحموضة ودرجة الحرارة والملوحة، والبقاء على قيد الحياة في صخرة حية معرضة للهواء لبعض الوقت.

واستنادا إلى نظامها الغذائي، فهي تتغذى على أغذية الأسماك التجارية، وبالإضافة إلى طبيعتها المرنة فالأبتاسيا تتكاثر بشكل فعال جدا في الأحواض وهى تستطيع أن تتكاثر بلا تزاوج من خلال عملية تسمى بالتمزق القاعدي أو الانفصال القدمي، وخلالها هذه العملية تنفصل أو تتمزق أجزاء من قاعدة الأبتاسيا لتكون في وقت لاحق أنيمون جديد أصغر، هذه الانيمونات الجديدة تزداد في الحجم حتى تصبح نسخة من آبائهم، أما بخصوص تكاثرها الجنسي فيحدث من خلال إطلاق البويضات والحيوانات المنوية وبعد ذلك تتحول البويضات المخصبة وتتطور خارجيا إلى يرقات سطحية، ويمكن لهذه اليرقات أن تستقر على أي سطح وتنمو بغزارة ويمكن أن تنافس اللافقاريات الأخرى بالحوض، وإذا لم يتم السيطرة عليها فقد تسبب مصدر تهديد بسبب لواسعها القوية التي قد تدمر أو تقتل اللافقاريات المجاورة لها، (بما في ذلك الشعب المرجانية) أثناء سعيها للحصول على مساحة خاصة بها، ولهذه الأسباب أصبحت الأبتاسيا العدو اللدود لمربى الأسماك والمرجان.

علاقة ثلاثية وإعجاز رباني:

في الفترة الأخيرة وأثناء اجراء بعض التجارب المختبرية لملاحظة سلوك النمو والاستقرار للأبتاسيا، تم ملاحظة استقرار الأبتاسيا على طبقات السيانوبكتيريا، والتي بدورها زادت على زجاج الحوض والمواسير البلاستيكية، والمضخات، والشعب المرجانية، ولم يلاحظ استقرار الأبتاسيا على الأسطح الخالية من السيانوبكتيريا، هذا الاستقرار الذي فضلته الأبتاسيا على طبقات السيانوبكتيريا يشير إلى وجود علاقة تكافلية بين الأنيمون والبكتيريا. ويمكن أن يستند هذا التعايش على نقل النيتروجين في هيئة الأمونيا أو الأمونيوم من السيانوبكتيريا إلى الأبتاسيا، ولزيادة توضيح هذا الأمر أريد أن أتطرق بإيجاز لطريقة التعايش بين الأنواع المختلفة من الخلايا الموجودة في طبقات السيانوبكتيريا والتي تسمي أيضا بالاتحاد البكتيري.

السيانوبكتيريا كائن فريد ومعقد جدا، فهو لديه القدرة على إنماء نوع من البكتريا يدعي Diazotrophic وهو نوع من البكتريا يستطيع معالجة أو تحويل غاز النيتروجين الى شكل أكثر قابلية للاستخدام مثل الأمونيا، وهو ما يعني أنها قادرة على تحويل أو معالجة غاز ثنائي النتروجين N2 إلى الأمونيا NH3 باستخدام إنزيم النيتروجينيز Enzyme Nitrogenase، الأمونيا بدورها يتم استيعابها أو هضمها كجلوتامات الأحماض الأمينية (حمض الجلوتاميك – الجلوتامات يمكن تحويلها إلى أحماض أمينية وبروتينات أخرى)، وتسمى هذه العملية بالمسار الأيضي وهو أمر مهم لعملية النمو.
ولكن قد يحدث أحيانا إعاقة لعملية معالجة النيتروجين بسبب وجود الأكسجين، ولكن السيانوبكتيريا حلت هذه المشكلة أيضاً عن طريق الاستفادة من خلايا بكتيرية تدعي Heterocysts متخصصة في معالجة النيتروجين ويتم حمايتها من الأكسجين …. بعد ذلك تقوم بكتريا Heterocysts بمعالجة ونقل النيتروجين في صورة أمونيا إلى خلايا التمثيل الضوئي.
في المقابل تقوم خلايا التمثيل الضوئي بتزويد ال Heterocysts بالكربون العضوي، وبهذه الطريقة نري بوضوح تكوين اتحاد قادر على تحويل ثاني أكسيد الكربون وغاز ثنائي النيتروجين إلى مركبات عضوية مفيدة للنمو، وهذه الاستراتيجية تسمح للسيانوبكتريا بالتغلب على مستويات النيتروجين المحدودة، وتمكنها من النمو في بيئة قليلة المغذيات.

وبطريقة مشابهة جدا استطاعت الأبتاسيا التعايش في البيئات ذات مستويات نيتروجين محدودة جدا، فهذا الأنيمون تغلب على قلة الكربون من خلال تشكيل منفعة متبادلة مع طحالب الداينوفلاجليت، التي تزود الأبتاسيا بالمركبات العضوية مثل الجليسيرول الناتج من عملية التمثيل الضوئي.
وفي حالة توافر السيانوبكتيريا داخل الحوض تستطيع الأبتاسيا بدلا من إيواء طحالب تكافلية بداخل خلاياها، أن تعيش عن طريق تكافلها مع السيانوبكتيريا، وبشكل أكثر تحديدا فإن جلد الأبتاسيا قد يتفاعل مع خلايا معالجة النيتروجين المتواجدة في السيانوبكتيريا، ويقوم جلد الأبتاسيا بامتصاص الأمونيا التي تنتجها هذه الخلايا، فمن المعروف أن الأبتاسيا تستطيع أن تمتص الأمونيا من البيئة الخارجية، وبعد ذلك يتم سحبها وهضمها داخل الجلوتامات بواسطة خلايا الأبتاسيا وبنفس الطريقة التي تحدث داخل السيانوبكتيريا.
وبالرغم من أن الجلوتامات يمكن تحويلها لبروتينات مفيدة لعملية النمو، إلا أن الأبتاسيا يحتاج الأمونيا كمادة أولية والتي عادة ما تكون موجودة بتركيزات منخفضة.


من هذا المنظور، فإن استقرار الأبتاسيا على طبقات السيانوبكتيريا يمثل فائدة كبيرة لها، فهي تأخذ الأمونيا التي تنتجها السيانوبكتيريا من خلال الجلد، مما يسمح للأبتاسيا بالنمو بسرعة في بيئة محدودة النيتروجين، تماما مثل السيانوبكتيريا ويوضح النموذج أدناه لمحة عامة عن هذا التعايش:

نموذج التعاون بين الأبتاسيا والسيانوبكتيريا:
وكما هى الحروب لا تخلوا من التحالفات السرية يبدوا أن عدونا قد عقد تحالفاً قوياً مع أحد حلفائه المخلصين، خلايا الـ Heterocysts الموجودة في طبقات السيانوبكتيريا تأخذ غاز النتروجين المذاب N2 من مياه البحر وتحوله إلى أمونيا NH3 مع أنزيمات النيتروجينيز (NG) بعد ذلك يتم امتصاص الأمونيا عن طريق جلد أو ساق الأبتاسيا كما هو مبين فى الصورة باللون البنى، وفى النهاية يتم استيعاب وهضم الأمونيا إلى جلوتامات الأحماض الأمينية (GA) واستخدامها لتحقيق النمو للأبتاسيا.

عندما تتوفر السيانوبكتريا مع مستويات أمونيا منخفضة فإن الأبتاسيا تفضل بشدة الإستقرار على طبقات السيانوبكتريا

الأبتاسيا في الأحواض المنزلية:

والآن يبدوا أننا قد وصلنا لساحة المعركة، فعلى الرغم من أن الأبتاسيا تستطيع الاستقرار على أي أرضية بدون سيانوبكتيريا، إلا أن هناك فائدة وحيدة للأبتاسيا في حالة وجود سيانوبكتريا، وهي أنها ستساعد في الحد من نمو السيانوبكتيريا في الحوض لأنها سوف تمتص الغذاء من السيانو أولا بأول مما يضعف السيانو ويساعد في اختفاؤها، وبشكل خاص عندما تكون تركيزات النترات والأمونيا في الحوض منخفضة.
ليس من الواضح حتى الآن ما هو تركيز الأمونيا الذي يسمح بامتصاص المواد الغذائية التي تسمح بنمو الأبتاسيا، ولكن من المرجح أن تقع فوق المستوى المتوسط للأمونيا بالأحواض…. ويمكن استخدام منتجات إزالة الفوسفات للحفاظ على تركيز الفوسفات منخفض مما يساعد في الوقاية من تكون السيانوبكتيريا، وبالتالي، قد تؤخر بعض الشيء تكاثر الأبتاسيا.

وفي كلتا الحالتين، سوف تعتبر الأبتاسيا دائما آفة لأحواض الأسماك، ولكن في رأيي هذه المخلوقات رائعة من الناحية البيولوجية، فقد استطاعت أنت تشكل علاقة معقدة مع طحالب الدينوفلاجليت، والسيانوبكتريا مما أتاح لهم جميعاً الاستفادة من طاقة التمثيل الضوئي وغاز النيتروجين المنحل بجانب العوالق الغذائية في الماء.
أما إذا كنت من محبي أسماك البترفلاى كوبرباند وجمبرى بيبرمنت، هنا يمكن لهذا الأنيمون أن يكون إضافة مثيرة للاهتمام لحوضك بدلا من أن يكون مصدر إزعاج، كما أنك بذلك تبقى الأبتاسيا تحت السيطرة.

Butterflyfishes (Chelmon rostratus)

Peppermint shrimp (Lysmata wurdemanni)

Berghia Nudibranchs

طرق مكافحة وإزالة الأبتاسيا:

والآن دعونا نستمع لما قاله زميلي الجندي الهاوي عن سلاحه الفتاك ضد هذا العدو الغاشم، هناك عدة طرق للتغلب عليه منها:

  • الحقن بالليمون أو الماء المغلي أو محلول ملحى مركز أو هيدروكسيد الكالسيوم (عجينة الكالك واسر) وكل ذلك يتم من خلال حقن الابتاسيا بواسطة سرنجة داخل جسمها.
  • أيضا كما ذكرت مسبقا أسماك البترفلاى وجمبري البيبرمنت تساعد كثيرا في التخلص من الأبتاسيا، وتعد كذلك البرغيا نودي برانش من أقوى الحلول الطبيعية للقضاء على الأبتاسيا.
  • هناك أيضا طريقة فعالة جدا ولا تحتاج لحقن داخل جسم الأبتاسيا وهي استخدام محلول هيدروكسيد الصوديوم المركز (tow Normal) NaOH 2N
    (يباع لدى مراكز بيع المستحضرات الكيمائية ويكون على هيئة سائل) وذلك بوضعه فوق الأبتاسيا، وينتج من ذلك غليان شديد للمحلول المركز عند ملاقاته لماء الحوض مما يؤدى لحرق الأبتاسيا وقتلها بكل سهولة.
    مهم جدا أن تحتفظ بالعبوة محكمة الغلق وبعيدة عن الأطفال والحيوانات الأليفة الأخرى وعن أيدى البشر لأنها تعتبر مادة كاوية”.
    وهذه المادة ليست ضارة للحوض ويتم تخفيفها بسرعة في مياه الحوض … ولكن عليك الحذر من الإفراط في استخدامها بشكل كبير، مثلا عندما تحاول قتل الكثير من الأبتاسيا دفعة واحدة، لأنها ستسبب زيادة في الثقل النوعي للماء حالها كحال إضافة أي مصدر أخر للصوديوم.

الخطوات:

تتم المعالجة بوضع بضع ملليمترات من المحلول فوق الأبتاسيا بالقرب جدا منها وسوف تشاهد لون أبيض وتموجات حرارية ناتجة من تفاعل المحلول مع الماء وهو ما يؤدى لقتل الأبتاسيا، وهذا اللون الأبيض سرعان ما يزول.
وكن حذرا من أن تضع المحلول فوق المرجان فتسبب ضرر له (الحذر مطلوب)
وتذكر أن مفتاح النجاح لهذه الطريقة هو أن تبقى الطبقة البيضاء الناتجة من المحلول فوق الأبتاسيا لبضعة ثواني وكلما طالت المدة كان أفضل، لكن إذا زالت المادة سريعا فلن يكون هناك تأثير قوى لهذه الطريقة، لذلك يفضل غلق جميع المضخات والويف ميكر أثناء هذه العملية.
الآن وقد استمعنا لزميلي الجندي الهاوي الحاذق وفهمنا وتعرفنا على هذا العدو، تتعاظمُ بداخلي رغبةُ بتوجيه ضربة العمر ضد هذه الأبتاسيا الماكرة، فأي تأخير الآن يمثل خطأ درامي قد يودى بحياة الحوض ولا تقوم له قائمة.

مع تحيات موقع هوايتي

:References

Chen C, Soong K, Chen CA (2008) The smallest oocytes among broadcast-spawning actiniarians and a unique lunar reproductive cycle in a unisexual population of the sea anemone, Aiptasia pulchella (Anthozoa: Actinaria). Zool Stud 47:37-45

Fay P (1992) Oxygen relations of nitrogen fixation in cyanobacteria. Microbiol Mol Biol Rev 56:340-373

Houlbrèque F, Ferrier-Pagès C (2009) Heterotrophy in tropical scleractinian corals. Biol Rev Camb Philos 84:1-17

Hunter T (1984) The energetics of asexual reproduction: Pedal laceration in the symbiotic sea anemoneAiptasia pulchella (Carlgren, 1943). J Exp Mar Biol Ecol 83:127-147

Lesser MP, Mazel CH, Gorbunov MY, Falkowski PG (2004) Discovery of symbiotic nitrogen-fixing cyanobacteria in corals. Science 305:997-1000

McKinstry MJ, Chapman GB, Spoon DM, Peters EC (1989) The occurrence of bacterial colonies in the epidermis of the tentacles of the sea anemone Aiptasia pallida (Anthozoa: Actinaria). Trans Am Micr Soc 108:239-244

Palincsar EE, Jones WR, Palincsar JS, Glogowski MA, Mastro JL (1989) Bacterial aggregates within the epidermis of the-sea anemone Aiptasia pallida. Biol Bull 177:130-140

Postgate J (1998) Nitrogen Fixation, 3rd Edition. Cambridge University Press, Cambridge, UK

Stambler N (2011) Marine microalgae/cyanobacteria-invertebrate symbiosis: Trading energy for strategic material. 385-414. In: Seckbach J, Dubinsky Z (Eds.) All flesh is grass – Plant-animal interrelationships, Springer, Dordrecht, 531 p

Venn AA, Loram JE, Douglas AE (2008) Photosynthetic symbioses in animals. J Exp Bot 59:1069-1080

sample-ad

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة